سجل يوم 12 مايو عام 1908 ميلاد أول مدر سة للفنون الجميلة في الشرق العربي، وكان هذا حدثاً تاريخياً وعلامة فارقة في ضروب التعليم ودروبه, ضروب التعليم النمطية المحدودة الآفاق، ودروبه الضيقة الخانقة للمواهب، والتي كان يحكمها الإحتلال البريطاني بسياسة ماكرة وقبضة محكمة مسيطرة حتى لا تخرج عن دائرة التخلف المرسومة !!
ومع ذلك فقد شهد مطلع القرن العشرين عودة الروح إلى كيان مصر مع صحوة ضمير الشعب، هبت معها طلائع ا التنوير تطالب بالتحرر من إسار التعليم النمطي المغلق والمتخلف لتفتح الأبواب على الأنماط الرحبة المتنوعة من التعليم، وفي مقدمتها إنشاء جامعة أهلية تتيح التعليم العالي للمواطن المصري بلا حدود أو قيود، وكذلك تعليم الفنون الرفيعة التي تنقل المجتمع لمستويات أعلى من رهافة الحس ورفعة الذوق والتحضر، فينهض البناء الحضاري للوطن على ركيزتي العلم والفن.
ولقيت هذه الأفكار الطموحة في ذلك الوقت الإعراض وعدم الإكتراث من المستعمرين وممن حذا حذوهم من المسئوولين فوضعت العراقيل أمام إنشاء الجامعة المصرية، كما إستخف ا الجهلاء بأمر مدرسة الفنون الجميلة لكونها في رأيهم ترف كمالي ليس للمجتمع حاجة إليه!!.
وبإ صرار و إيمان ومثابرة انتصر رواد النهضة والتنوير من الزعماء الوطنيين، ومن أفراد الأسرة المالكة على حد سواء، و سجل عام 1908 في منتصفه وفي نهايته حدثين على جانب عظيم من الأهمية إذ انشأ الأمير يوسف كمال مدرسة الفنون الجميلة المصرية وافتتحت للدراسة في 12 مايو 1908 م كما أسس الزعماء الوطنيون الجامعة الأهلية وبدأت الدراسة بها في ديسمبر 1908
ولكن من هو هذا الرجل ؟ فلنقترب من الأمير يوسف كمال، ذلك الذي حمل وحده بمبادرة فريدة أعباء إنشاء أول مدر سة للفنون الجميلة فيالشرق العربي مستهدفاً أن ينقل بها البلاد نقلة حضارية تواكب بها العصر الحديث.
هو من أغنى أمراء الأ سرة المالكة إبن الأمير أحمد كمال ومن أحفاد إبراهيم با شا بن محمد علي، عا ش حياة نشطة حافلة بالإهتمامات في المجالات المتنوعة وبصفة خاصة مجالات الثقافة والفنون الرفيعة إلى جانب السفر إلى أركان العالم الغريبة و إلى رحلات الصيد الإستكشافية في صحاري مصر الواسعة. كان قصره بالمطرية المشيد على الطراز الإسلامي المستحدث منتدى لرجال الفكر والفن، حظى فيه الفنانون التشكيليون الأجانب برعاية خاصة، حيث كان يستشيرهم في إقتناء وتكوين مجموعاته من اللوحات الفنية لمشاهيرالمصورين في أوروبا وبالأخص فرنسا حيث كانت تنبثق في باريس مدارس الفنون التشكيلية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد حر ص على إقتناء لوحات رائعة من المدرسة الإنطباعية إنضمت فيما بعد إلى مجموعة محمد محمود خليل الذي يحويها متحفه بالجيزة وكان خلال جولاته في العالم يركز إهتمامه على جمع القطع النادرة من الفن الأسيوي والفن الإسلامي ثم يهديها بعد إكتمال المجموعة إلى المتاحف العامة والمتخصصة.
وفي صالونه الفني توطدت صداقته بالنحات الفرنسى «غاليوم لابلان » المقيم في مصر في ذلك الوقت، وقد فاتح الأمير يوسف كمال في فكرة طرأت على خاطره ثم ألحت عليه لتحقيقها، وكان قد لمس إ ستعداداً فنياً وموهبة لدى عديد من الصبية والشباب المصريين الذين جمعتهم به الصدف في لقاءات عابرة، وعرض على سمو الأمير في حميمية اللقاء فكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة لرعاية هذه المواهب الواعدة، وقد ر أى في سموه خير من يحتضن الفكرة ويحدوها برعايته ويروج لإ لسهام في تحقيقها بفضل
موقعه الرفيع واتصالاته الواسعة. وكان رد فعل الأمير إستجابة تامة و إهتماماً كبيراً ووعداً بتحقيق المشروع مهما تكلف من جهد أو مال، غير أنه ر أىقبل البدء في تنفيذه أن يستأنس بآراء بعض كبار المصريين والأجانب من المستنيرين الذين كان يثق ب آرائهم. ولم يرتح الأستاذ الفنان «غاليوم لابلان » في بادئ الأمر لهذا التوجه لأنه كان يحس بالجو الرجعي في هذه الأوساط لمثل هذا المشروع، ورغماً عن ذلك فقد إنطلق بحماس وجهد دؤوب للترويج للمشروع وحشد المساهمات المعنوية والمادية لتنفيذه، إلا أن ذلك كله قد باء بالفشل الذريع لأن النظرة إلى تعليم الفن كانت نظرة دونية بل وتهكم و إستخفاف بإعتبار أنه ترف ليس المجتمع مهيأ له أو في حاجة إليه!!
الروية :-
أن تكون الكلية كيانا عالميا معتمدا ، مشهودا له بدوره التنويرى ، وبأنه منارة للتعليم والبحث العلمى فى مجالات الفنون والعمارة فى مصر والشرق الآوسط للآرتقاء بالذوق العام فى المجتمع .
الرسالة :-
اعداد وتأهيل خريج وباحث مبدع فى مجالات العمارة والفنون الجميلة ، ليكن قادرا على تلبية احتياجات سوق العمل بما يحقق تنمية اليبئة وتطوير المجتمع المصرى وارتقاءه.
شهد مطلع القرن العشرين صحوة وعودة الروح لكيان مصر، وقد أدركت طلائع التنوير آنذاك أن نهضة مصر لن تتحقق إلا بالخروج من أسر التعليم النمطى الذى حدد الاستعمار البريطانى أهدافه فى تخريج موظفين مؤهلين فقط لتسيير العمل البيروقراطى فى الإدارة الحكومية. وقد حلقت طموحات طلائع التنوير بعيدا عن آفاق الفكر الضيق للقائمين على شئون التعليم بوزارة المعارف العمومية، فأركان النهضة المستهدفة لا تقوم إلا على ركيزتين: العلم المتقدم الذى يفتح الأبواب للحضارة والمدنية الحديثتين، والفن الرفيع الذى يسمو بالروح وينهض بالمجتمع. وفى ظل هذا الإدراك الوعى والانتفاضة اليقظة تبنى فريق من طلائع التنوير فكرة إنشاء جامعة أهلية تتيح أعلى مستويات العلم لكل الراغبين وبلا قيود، واحتضن فريق آخر إنشاء مدرسة للفنون الجميلة تتيح ازدهار المواهب الشابة وتنقل المجتمع لمستويات أعلى من رهافة الحس والذوق والتحضر.
وقد لقيت هذه الأفكار فى البداية الاعتراض وعدم الاكتراث من المسئولين المصريين، بل والمقاومة والمعارضة من المستعمرين البريطانيين فى ذلك الوقت، حيث وضعت العراقيل أمام إنشاء الجامعة المصرية، كما استخف الجهلاء بفكرة إنشاء مدرسة للفنون الجميلة لكونها فى رأيهم نوعا من الترف الذى لم يتهيأ له المجتمع المصرى حينئذ. وانتصرت طلائع التنوير بفضل دعاة مخلصين كالزعيم الوطنى مصطفى كامل والمفكر المستنير قاسم أمين وغيرهما، وتم جمع المعونات السخية من أفاضل المصريين لهذه الجامعة العلمية الأهلية، كما نهض الأمير يوسف كمال - من أمراء الأسرة المالكة - بتحقيق فكرة إنشاء المدرسة الأهلية للفنون الجميلة بمعونة المثال الفرنسى غاليوم لابلان، وأسكنها الأمير المستنير فى أحد أملاكه ذات القيمة المعمارية التراثية بدرب الجماميز، وأوقف عليها أكثر من مائة وعشرين فدانا من أجود الأراضى الزراعية، بالإضافة إلى بعض العقارات بالإسكندرية، وذلك للإنفاق على المدرسة وحسن إدارتها لتعليم الشباب من ذوى المواهب تعليما مجانيا، وبشروط ميسرة ومشجعة للمصريين والأجانب على حد سواء.
وقد أجازت محكمة مصر الشرعية الكبرى حجة وقف الأمير يوسف كمال بما تضمنه من تلك الشروط الفنية الخاصة، الأمر الذى يمثل سابقة فريدة من نوعها فى ذلك الوقت بالإقرار بعدم وجود مانع شرعى لتخصيص الأوقاف على تعليم الفنون.
وفى 12 مايو 1908 تم افتتاح مدرسة الفنون الجميلة المصرية، وبهذا التحقت المدرسة بموكب التنوير قبل تأسيس الجامعة المصرية بثمانى أشهر، واختير للمدرسة الجديدة نخبة من أساتذة الفنون الأوروبيين، وتولى نظارتها المثال الفرنسى غاليوم لابلان حتى عام 1918. وتدفق الشباب على البيت رقم 100 بدرب الجماميز (مقر المدرسة) وعقدت الاختبارات الأولية لإختيار اللائقين، وتكونت أقسام المدرسة من ثلاثة تخصصات: قسم التصوير ويرأسه المصور الإيطالى باولو فورشيلا (عضو أكاديمية نابولى)، وقسم النحت ويرأسه المثال الفرنسى غاليوم لابلان، وقسم العمارة ويرأسه المعمارى الفرنسى هنرى بيرون. واختير مائة وخمسون من المتقدمين كطلبة نظاميين، كما أتيحت الدراسة لعدد كبير آخر كمنتسبين، والجميع بدون رسوم دراسية، حتى الأدوات كانت تصرف مجانا. وكانت الدراسة من الثامنة صباحا إلى الواحدة بعد الظهر للطلبة النظاميين، ومن الواحدة إلى الخامسة مساء للمنتسبين من الموظفين والهواة.
وفى عام 1911 وضعت المدرسة تحت إشراف وزارة المعارف العمومية بناء على رغبة منشئها، حيث أدخلت عليها إصلاحات عديدة ونقحت لائحتها العامة والداخلية، وكان يتحتم على الراغبين فى الالتحاق بها أن يؤدوا إمتحانا للقبول. كما تقرر عقد امتحان الدبلوم عقب اتمام الدراسة. وفى عام 1912 جرى أول امتحان دبلوم للمدرسة بمعرفة لجنة مشكلة من الوزارة. وقد بلغ عدد خريجى المدرسة من عام 1912 حتى عام 1926 مائة ستة وسبعون خريجا. وقد أوفد منهم اثنان وعشرون فى بعثات خارجية إلى إيطاليا وفرنسا، وكان أولهم المثال المصرى العظيم محمود مختار.
وفى عام 1923 نقلت مدرسة الفنون الجميلة المصرية من مكانها بدرب الجماميز إلى الدرب الجديد بميدان السيدة زينب وبقيت هناك حتى عام 1927، وكان ناظرها المثال الفرنسى جبرييل بيسى. وفى هذا العام حدثت تعديلات جوهرية فى نظام الوقفية التى أوقفها الأمير يوسف كمال للصرف على مدرسة الفنون الجميلة المصرية، إذ ترك لوزارة المعارف العمومية مهمة الإنفاق على المدرسة وخصص معظم الوقف للصرف على ايفاد الأول والثانى من خريجى كل قسم إلى فرنسا أو إيطاليا لمدة ثلاث سنوات أو لمدد أخرى تراها الوزارة فى مصلحة كل طالب ليتمم دراسته، بشرط أن يكون الطالب مصرى الجنسية. وفى نفس العام أنشئت المدرسة التحضيرية لمدرسة الفنون الجميلة العليا، وكانت مدة الدراسة فيها تتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات لتهيئة الفرصة لإعداد ذوى المواهب الفنية من الطلبة لإجتياز إمتحان القبول بمدرسة الفنون الجميلة العليا.
وفى العام الدراسى 1929/1930 بدأت الدراسة بمدرسة الفنون الجميلة العليا بعد ضمها نهائيا لوزارة المعارف العمومية، ولم يقبل بها إلا من أتم الدراسة بنجاح فى المدرسة التحضيرية. وكانت الدراسة فى المدرسة العليا أربع سنوات فى ثلاث أقسام هى العمارة والتصوير والنحت. وفى العام الدراسى 1931/1932 أضيف للأقسام المذكورة قسم رابع للفنون الزخرفية. وفى العام الدراسى 1933/1934 أضيف قسم خامس لفن الحفر والطباعة، وبذلك تكون مدرسة الفنون الجميلة العليا قد استكملت أقسامها الخمسة الرئيسية.
وفى العام الدراسى 1936/1937، بمقتضى اللائحة الأساسية الجديدة، أضيفت سنة إعدادية لسنوات الدراسة الأربع بالأقسام الخمسة، فأصبحت مدة الدراسة خمس سنوات، وذلك بعد أن تم إلغاء نظام المدرسة التحضيرية، وحدد القبول بالمدرسة للحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الثانوية (شهادة البكالوريا) وذلك بعد إجتياز إمتحان دقيق للقدرات فى الرسم والتصوير والتصميم المعمارى والتصميم الزخرفى واللغات حسب القسم المتقدم له الطالب.
وفى عام 1937 دخلت مدرسة الفنون الجميلة العليا مرحلة جديدة عندما بدأ تمصيرها، وأصبح الفنان محمد ناجى هو أول مصرى يتولى نظارة المدرسة. وفى عام 1942 تغير اسم مدرسة الفنون الجميلة العليا ليصبح المدرسة العليا للفنون الجميلة، وانتقل مقر المدرسة إلى موقعه الحالى بحى الزمالك الراقى. كما أقيم فى العام نفسه مرسم للفنون الجميلة بمدينة الأقصر للطلبة الممتازين بعد حصولهم على دبلوم المدرسة العليا للفنون الجميلة من أقسام الفنون، وذلك كبعثة داخلية لمدة سنتين للتفرغ لدراسة الفنون والأثار المصرية الأصلية، وكانت بذلك أول شكل للدراسات العليا التخصصية فى مجال الفنون الجميلة.
وفى عام 1951 تحولت المدرسة العليا للفنون الجميلة إلى الكلية الملكية للفنون الجميلة، وبعد سنتين، أى فى عام 1953، تغير اسمها من جديد ليصبح كلية الفنون الجميلة عقب قيام ثورة 23 يوليو. وفى عام 1957 أنشئت كلية الفنون الجميلة قسما خاصا بها للدراسات الحرة فى فنون الرسم والتصوير والنحت لنشر هواية الفنون الجميلة وتهيئة الفرصة لأصحاب المواهب الفنية التى لا تمكنهم ظروفهم المعيشية أو مؤهلاتهم من دراسة الفن فى السلك النظامى الخاضع للقيود الخاصة فى المدرسة، وقد أعد لذلك قسمان صباحى ومسائى، وأسفرت هذه التجربة الفريدة عن نجاح عظيم فى إبراز مواهب العديد من الدارسين الذين لعبوا دورا هاما فى المجالات الحرة للفنون الجميلة.
وفى عام 1961، فى عهد عميد الكلية الدكتور عوض كامل، انضمت كلية الفنون الجميلة إلى وزارة التعليم العالى. وفى عام 1975، فى عهد عميد الكلية الدكتور عبد اللـه جوهر، انضمت الكلية إلى جامعة حلوان دون تعديل أساسى فى أقسامها التعليمية سوى تغيير مسمى قسم الفنون الزخرفية إلى قسم الديكور، ومسمى قسم الحفر والطباعة إلى قسم الجرافيك، واحتفظت الأقسام الثلاثة الأخرى (العمارة والتصوير والنحت) بمسمياتها الأصلية.
وفى عام 1976 أضيف قسم جديد للعلوم الإنشائية، وكانت الفكرة وراء إنشاء هذا القسم هى تزويد أقسام الكلية الأخرى بأساتذة متخصصين فى تدريس المواد الإنشائية، والتى كان يقوم بتدريسها أساتذة منتدبون من خارج الكلية. وتم التوسع فى تعيين عدد من أعضاء هيئة التدريس بالكلية بهذا القسم حتى أصبح قادرا على تغطية مواد العلوم الإنشائة بكلية الفنون الجميلة ثم فى مختلف كليات جامعة حلوان. ولما استكملت عناصر هيئة التدريس بهذا القسم رؤى تحويله إلى كلية مستقلة لتخريج مهندسين إنشائيين، وعلى ذلك تقرر نقله ليصبح كلية الهندسة والتكنولوجيا بالمطرية مع بقاء الإستفادة من أعضاء هيئة التدريس به للتدريس بكلية الفنون الجميلة.
ومع تنوع مجالات الدراسة وامتداد عباءة الفن لتغطى جزيئات دقيقة متخصصة، فقد تفرع قسم التصوير إلى شعبتين: التصوير الزيتى، والتصوير الجدارى، وتفرع قسم النحت إلى شعبتين: النحت الفراغى والميدانى، والنحت البارز والميدالية، وتفرع قسم الديكور (الفنون الزخرفية سابقا) إلى شعبتين: العمارة الداخلية، والفنون التعبيرية، وتفرع قسم الجرافيك (الحفر والطباعة سابقا) إلى شعبتين: التصميم المطبوع، والرسوم المتحركة وفنون الكتاب. وقد بدأت الدراسات العليا بالكلية فى عام 1968، وأصبحت هذه التخصصات الفرعية الدقيقة مجالا لمنح درجة الدبلوم فى إحداهما فضلا عن درجتى الماجستير والدكتوراه. وفى عام 1998 تم إنشاء قسم تاريخ الفن للدراسات العليا، برئاسة الدكتور عبد الغفار شديد، وبذلك تكون كلية الفنون الجميلة قد استكملت أقسامها الستة الحالية.